http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews

السبت، 3 ديسمبر 2011

شرطتنا وشرطتهم


شُرطتنا وشُرطتهم



* بسبب الشرطة المصرية، ووزيرها، وإنتهاكاتها المستمرة لكرامة المصريين،، قامت ثورة 25 يناير فى مصر.
* وبسبب غباء نفس الجهاز، وتكبره، وجهله،، تسبب فى تطور مطالب الثورة من إقالة وزير الداخلية، إلى إسقاط النظام بالكامل.
ربما يكون فى هذا خيرا لمصر وشعبها، ولكن لكى نحصل على الخير، علينا أن نعرف أولا ما هو.
نريد جهاز شرطة قوى، يضرب بيد من حديد على أيدى الخارجين على القانون، وفى نفس الوقت لا يتجاوز حدود القانون فى هذا الصدد، ونريده أن يكون على قدر من الأدب والكياسة تُمكنة من التعامل اللائق مع المواطنين ( من غير المجرمين ).
ولكن... قد يقع هنا لبس فى تحديد مدلول المجرم وغير المجرم، حتى يتسنى لنا القول بأن الشرطى قد أخطأ أو لم يخطئ، وهذا التحديد من الصعوبة بمكان، حيث أن التعامل يكون لحظيا ووليد الموقف، بينما تحديد إجرام المواطن من عدمه، فهو مرهون بسلسلة طويلة من الإجراءات القانونية والقضائية.
فما هو الحل؟
يمكننا أن نجرى مقارنة صغيرة بين شرطتنا، ( ومجتمعنا )، وبين الشرطة فى الدول ذات التاريخ فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبوجه عام الدول المتقدمة.

من حيث التدريب والكفاءة الميدانية

الشرطة المصرية:
تكاد تكون بلا تدريب أو كفاءة على الإطلاق، ويُقصد بالكفاءة هنا الكفاءة من الناحية الشُرطية، وليس من حيث تحقيق النتائج، فيمكن بكل بساطة أن نجد فرد الشرطة يحمل سلاحا، لا يعلم عنه شيئا ولم يسبق له أن إستخدمه من قبل، بل قد لايعلم أصلا إن كان هذا السلاح صالح للإستعمال أم لا،، كما تجد فرد الشرطة على حالة إنهيار صحى عام، سواء فى التكوين البدنى أو اللياقة البدنية، ناهيك عن إنهيار الكفاءة العقلية والذهنية، هذا على مستوى الأفراد.
أما على مستوى الضباط، فقلما تجد من بينهم من هو فى حالة تدريبية جيده، على الفنون القتالية ومهارات إستخدام السلاح، وقد لا يختلف الحال كثيرا من ناحية اللياقة البدنية، والذهنية.
أما على مستوى القيادات، فتجد أغلبهم ــ مع إشتراكة فى الصفات مع الفئتين السابقتين ــ تجده وقد نحى منحىً آخر لا يمت للشرطة وعلومها بصلة، اللهم إلا فيما يتعلق بإستغلال النفوذ الشرطى لتحقيق الثراء، أو السطوة، أو الوجاهة الإجتماعية، وكثير منهم دخل دهاليز السياسة، وأكل على موائد الحكام، وَورّط وتورط فى فساد كبير.
 
الشرطة فى الدول الديمقراطية:
عادة ما تتميز بالمستوى العالى فى التدريب والكفاءة، مع وجود بعض الإستثناءات بالطبع، ولكن بوجه عام يكون الشرطى على مستوى الفرد والضابط، على قدر كبير من اللياقة البدنية والذهنية، وإجادة إستخدام السلاح فى أوضاع متعددة، مع الإحاطة الكاملة بخصائص سلاحة والأسلحة الأخرى، فضلا عن وجود تدريب مستمر على ماسبق لضمان إستمرار المستوى.
وقد لا يختلف الحال على مستوى القيادات، ولكن مع وجود إستثناءات أوسع فيما يخص مسألة اللياقة، وقد يكون هذا مقبولا بالنظر إلى إختلاف المهام، وإختصاص فئة كبيرة من القيادات بالأمور الإدارية والتكتيكية والإستراتيجية، مما قد يبرر الضعف النسبى فى اللياقة البدنية، دون الذهنية والعقلية.

من حيث الناحية العلمية
الناحية العلمية فيما يخص الشرطة، عادة ما تتعلق بالعلوم الآتية:
- القانون الجنائى ( وبعض الفروع الأخرى على سبيل الإحاطة والثقافة )
- علم الإجرام
- أساليب البحث الجنائى
- المهارات القتالية الميدانية
- بعض نواحى مبادئ الطب الشرعى ( على سبيل الإحاطة والثقافة )
فإذا أجرينا المقارنة بين شرطتنا،، ( وشرطتهم ) فى هذا الشأن وجدنا الآتى:

الشرطة المصرية:
تنقطع علاقة الشرطى المصرى بالقانون فور تخرجه من كلية الشرطة وإنتهاء دراستة للقانون، فالقانون يُدرَّس كمنهج فى كلية الشرطة للنجاح والرسوب فقط، وليس كمنهج للتطبيق.
والشرطى المصرى لا يعنيه على الإطلاق نجاح القضية التى قام بضبطها أو فشلها، فلا يضيرة ما يشوب الإجراءات من عوار، وفى كثير من الأحيان فهو لا يعلم أصلا ماهى الإجراءات السليمة الواجب إتباعها، فضبط القضايا بالنسبة للشرطى المصرى ما هو إلا إستكمال ( هدف ) أو ما يسمى فى الأوساط الشُرطية ( الحصيلة ) ولا يهم مطلقا ماذا سيكون مصير القضايا، فأولا وأخيرا يعتبر الضابط مهمته تنتهى عند التنكيل بالمتهم ( وبهدلته ) فى أروقة النيابات والمحاكم، حتى لو تمت تبرئته بعد ذلك.
ومن حيث علم الإجرام فلا يختلف الوضع عن معرفة الشرطى المصرى بالقانون، اللهم إلا فى أن الشرطى المصرى يعتبر كل مصرى مجرما، بإستثناء أصدقائه وعائلته، ومن يرضى هو عنهم.
ومن حيث أساليب البحث الجنائى، فلا يعلم عنها الشرطى المصرى إلا أن المتهم ينبغى أن يعترف، وسواء كان هو الفاعل أم لا، وفى سبيل هذا الإعتراف، يكون للشرطى ممارسة كافة أنواع التنكيل للضغط على المتهم، ولا يزال الشرطى المصرى يعتقد أن الإعتراف سيد الأدلة، بل ويعتقد أن تلك المقولة هى مبدأ قانونى معمول به فى المحاكم.
ومن حيث المهارات القتالية الميدانية، كالرياضات العنيفة، ورياضات الدفاع عن النفس وما إلى ذلك، فقد تناولناها فى مناقشة الإنهيار البدنى للشرطى، وفيما يخص فئة الضباط، فهم يرون أنهم فى غنى عنها، حيث يعتمد الضابط على عدم قدرة المواطن على الدفاع عن نفسه، وعلى الجهد الوافر لما يسمى بالمخبر ( وهو فرد شرطة ) للقيام بالدور البدنى فى إيذاء المواطن.
ومن حيث الإحاطة ببعض مبادئ الطب الشرعى،، فهذا أمر لم يسمع به أى شخص فى جهاز الشرطة المصرية على الإطلاق.

الشرطة فى الدول الديمقراطية
الإحاطة الكاملة بالقانون الجنائى هى مسألة أساسية للشرطى فى تلك الدول،، وبخاصة الشرطى من طائفة التحرى ( ضابط المباحث فى مصر ) ، ذلك أن من ضمن تقييم الشرطى فى عملة ما يرد فى إحصائية القضايا التى قام بضبطها، وكم منها نجحت النيابة فى إستصدار حكم على المتهم فيها، وكم منها فشلت بسبب عيب فى تقنين الإجراءات.
أما من حيث أساليب البحث الجنائى فحدث ولا حرج، إذ يصل التحرى فى تلك الدول إلى أعلى درجات الإجادة فى البحث الجنائى، وحل غموض الجرائم للتوصل إلى مرتكبيها وملابسات إرتكابها، وقد يكون العامل الرئيسى المساعد على تلك الإجادة، أن مهارات التحرى البحثية هى الوسيلة الوحيدة المتاحة له قانونا لحل الجريمة، وهو مضطر للإلتزام بها، فلا يمكنة إستخدام العنف لإنتزاع الإعترافات، وحتى إستعانتة بمرشدين تكاد تكون غير مجدية لعدم إعتراف النظم القضائية بشهاداتهم أمام المحاكم، وإنما يستعين بهم التحرى فقط، للوصول إلى خيوط يمكنه تتبعها فقد تؤدى به إلى الحلول، وقد لا تؤدى.
ولا مانع من إستخدام التحرى الجنائى، لمحللين نفسيين، لوضع تصورات عن النموذج الإجرامى وتوقع خطواته، وما إلى ذلك.
ومن حيث المهارات القتالية الميدانية، فقد أوضحناها فيما يتعلق بالكفاءة البدنية.
أما من حيث الإلمام ببعض مبادئ الطب الشرعى، فلا تجد وحدة جنائية تخلو من متخصص فى هذا المجال، أو أحد التحريين ممن لديه خبرات فى مبادئ الطب الشرعى، تكونت لديه طوال مدة عمله.

من حيث أسلوب العمل
تعمل الشرطة المصرية بأسلوب التدرج الهرمى فى الرتب العسكرية، فهى خلط بين نظام عمل بمؤسسة مدنية وبين نظام قيادى عسكرى، وهو ما يؤدى فى كثير من الأحيان إلى خنق الكفاءات الشرطية التى نادرا ما تظهر بين أفراد هذا الجهاز.
بينما تعمل الشرطة فى الدول الديمقراطية بنظام التدرج الرئاسى للمؤسسات المدنية، ولا يخضع العاملين بها للمحاكمات العسكرية، بل للمحاكمات المدنية العادية، ولا تعرف تلك الأنظمة ما يسمى بالإستعانة بالمجندين فى جهاز الشرطة،، حيث أنهم عادة ما يكونوا عديموا الكفاءة الشرطية، فكل العاملين بمؤسسة الشرطة فى تلك الدول من المحترفين العاملين لقاء أجر.

من حيث الصلاحيات
للشرطة المصرية الصلاحيات المطلقة فى كل ما تقوم به من إنتهاكات للمواطن، بشرط أن يكون القائم بالإنتهاك من الموالين لمنظومة الشرطة السياسية ( أى التى تعمل على تأمين بقاء النظام الحاكم ) أو على الأقل من غير المعارضين لهذا النظام، فإذا ما صدر الإنتهاك ممن لا يحوز تلك الصفة، طبقت عليه الإجراءات العقابية بكل صرامة مع تقديمة للإعلام كنموذج لقيام الجهاز بمحاسبة المخطئين من أفراده.
أما الشرطة فى الدول الديمقراطية، فتكاد تكون معدومة الصلاحيات، ولايجوز لها إنتهاك الحريات الخاصة للمواطن، بل ولا يجوز لها توقيفة للإستجواب والتحقيق إلا بأمر قضائى، ولكن كل تلك المحاذير تتوقف على أن يسلك المواطن السلوك السلمى فى التعامل، بمعنى أنه لا يحق لضابط الشرطة أن يضرب المواطن إذا قام المواطن بسبه أو إهانته أو إستفزازه، طالما لم يخرج هذا السلوك عن الإطار الشفهى، فإذا ما تجاوز المواطن الشفاهة إلى مسلك الإحتكاك البدنى أو تعريض سلامة الشرطى للخطر، فللشرطى الصلاحيات الكاملة فى التعامل بالعنف اللازم لإبطال هذا الخطر، ولو أدى ذلك إلى إطلاق الرصاص على رأس المواطن مباشرة.

الخلاصة
مما سبق تتبين لنا الفوارق الكبيرة بين شرطتنا وشرطتهم، وقد يكون فى هذا إجابات على ما يثار من تساؤلات حول أسباب نجاح الشرطة المصرية فى مجال الأمن السياسى ،، وفشلها الذريع فى مجال الأمن الجنائى، ولكن لابد أن نتمم هنا بتوضيح الفارق بين المجتمعات وثقافاتها المتباينة، بمعنى أنه إذا قمنا بهيكلة جهاز شرطة مصرية يعمل بذات الأسس التى يعمل بها جهاز الشرطة الأمريكى مثلا،، فيجب أن نكون مدركين لكافة أبعاد طريقة العمل هذه، فعلى سبيل المثال؛ واقعة مثل واقعة الإعتداء على قسم أو مديرية أمن بإلقاء الحجارة أو القنابل الحارقة، كما يحدث اليوم، لن يكون تعامل الشرطة معها بقنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات، بل بالتصويب المباشر للرصاص الحى على الفاعلين حتى ولو كانوا فى مظاهرة سياسية، ولن يكون هذا الفعل وقتئذ مخالفاً للقانون، كما انه إذا رأينا متهما متلبسا بجريمته فى الطريق العام، يقاوم الشرطى الذى أتى للقبض عليه، فقد نرى المتهم يكيل السباب للشرطى وللحكومة وللمجتمع بأسره، والشرطى لا يحرك ساكنا، فلا يجب أن نتعجب حينها ونتهم الشرطة بأنها فى تخاذل أو أنعدام هيبة، وكذلك فإن نفس المتهم إذا ذهب بيده خلف ظهرة فيما استشعر منه الشرطى أنه بصدد إستخراج سلاح، فأطلق عليه النار لفوره فأرداه قتيلا، فلا يجب أن نتعجب أيضا أو نتهم الشرطة بأنها تقتل الناس فى الشوارع.
وبعد كل ما أفردنا ،، فأى أنظمة الشرطة نريدها لمصر؟