http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews

الخميس، 19 يناير 2012


المصرى والصندوق
يبدو أن علاقة المواطن المصرى بالصندوق هى علاقة تاريخية وقدرية فى نفس الوقت، وتبدأ علاقة المواطن المصرى بكائن الصندوق منذ اللحظة الأولى لمولده، حين يتوجه والدة لقيده فى سجل المواليد فيجد نفسه مجبرا على التبرع " لصندوق " معونة الشتاء، ومن هنا تبدأ علاقة الطفل بعالم الصندوق،، إذ أنه مع تقدمه فى العمر ووصولة لسن الإستيعاب، تحاصره جدته بحواديت " صندوق " الدنيا حتى يضج المسكين من مجرد فكرة الحواديت، فإذا ما شب غلاما فهو أمام أحد طريقين؛ إما أن ينجح فى تعليمه أو يفشل،، فإذا فشل كان على موعد حمل " صندوق " العدة الخاص بالأسطى الذى سيعمل لديه فى ورشته،، وإما أن ينجح وينال الرضى الحكومى بتعيينه موظفا فيبدأ التعامل مع عدد من الصناديق مثل صندوق التكافل الإجتماعى الذى يقتطع من راتبة شهريا مبلغا محترما، وحين يعود من عملة ويفتح الجريدة أو يشاهد أخبار القناة المصرية، يتم تصديع رأسه بالشروط التى وضعها " صندوق " النقد الدولى لإقراض مصر حفنة من الدولارات، فإذا ترك كل هذا الرعب الصندوقى وفر إلى مسجده ليقف بين يدى ربه، قابله خادم المسجد حاملا صندوق التبرعات...
وأخيرا جاءت الثورة ..
ثار شعب مصر العظيم يوم 31 فبراير على علاقتة بالصناديق ..
ولكنه ويا للأسف ،، فوجئ بأنه إنما يستبدل طائفة من الصناديق بطائفة جديدة منها،، فوجد نفسه يحاول حل ألغاز " الصناديق " الخاصة فى الوزارات ، والتى تم إخفاء موارد البلاد بها عن أعين الموازنة العامة ،، ووجد نفسه مضطرا للتعامل مع " صندوق " رعاية الشهداء والمصابين بعد أن جالت الرصاصات المطاطية وصالت بين حاجبيه وأسفلهما،، ثم إنتظم فى طوابير سرمدية للإدلاء بصوته فى " صندوق " إستفتاء تعديل الدستور،، ولم يلبث أن عاد إلى تلك الطوابير بعد برهة للإدلاء بصوته فى " صندوق " إنتخابات مجلس الشعب ،، وهو الآن ينتظر الوقوف أمام " صندوق " إنتخابات مجلس الشورى، ثم " صندوق " الإستفتاء على الدستور الجديد ، ثم " صندوق " إنتخاب رئيس الجمهورية ،،، وصولا إلى الصندوق الأعظم وهو صندوق الحاج حنفى الحانوتى ...
فهل تثبت تلك السلسلة من الصناديق صحة النظرية القائلة بأن المصرى أصله صندوق ؟ 
وهل كان الفنان الكبير محمد منير صادقا حين غنى: " صناديق " .. الدنيا كلها " صناديق " ؟
هذا فى الغالب ما سنكتشفه عند العثور على " الصندوق " الأسود لمقبرة الراحل توت عنخ آمون