http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews

الخميس، 2 يونيو 2011

الإنقلاب الشعبى، والثورة العسكرية

نعلم تماما أن الإنقلاب العسكرى هو ما يقوم به جيش الدولة ( القوة العسكرية ) للإطاحة بالنظام الحاكم ( القوة السياسية ) لتلك الدولة، وفى الإنقلابات العسكرية لا يشترط أن يكون النظام السياسى سيئا كما لا يشترط أن يكون الجيش جيدا، ففى أغلب حالات الإنقلاب العسكرى على مر التاريخ كانت المسألة بمثابة صراع على السلطة ومقدرات البلاد، وبالتالى فغالبا ما يخرج من الحسابات مصلحة الشعوب.
أما الثورات الشعبية، فهى غالبا ما تكون على العكس من ذلك، ففيها يثور الشعب المظلوم ضد نظام الحكم الفاسد فى البلاد، فهى صراع بين الشعب ( القوة المادية على الأرض ) وبين النظام الحاكم ( القوة السياسية )، دون أن يكون الجيش طرفا فى المعادلة فى بادئ الأمر، ولكن لابد أن يكون له موقف مع تطور الثورة، فإما أن يقف محايدا، أو ينضم إلى جانب السلطة السياسية الحاكمة.
ولكن.... ما الذى حدث فى مصر فى الخامس والعشرين من يناير عام الفين وإحدى عشر؟؟؟!!!
هل هو ثورة شعبية، أم إنقلاب عسكرى؟
لأول وهلة يجزم المتابع وبكل وضوح أنها ثورة شعبية فريدة من نوعها، قام بها الشباب الثائر لتطهير البلاد من النظام الحاكم الفاسد.
ولكن ماذا لو أمعنا النظر قليلا وبتعمق، على نحو قد يكون مزعجا للكثيرين، ومدعاة للهجوم الشرس على المقالة وكاتبها وأفكاره اللعينة...
بداية يجب أن نأخذ فى الإعتبار عدة نقاط:
أولا: أن مصر دولة بوليسية منذ قديم الأزل، تحكم فيها أجهزة الأمن قبضتها على كافة مقدرات الحياة
ثانيا: أن النظام الحاكم قد إستفحل فساده وإستشرى بصورة غير مسبوقة، ومفضوحة ومستفزة لأطراف كثيرين، حتى بخلاف الشعب نفسه.
ثالثا: القوات المسلحة المصرية، رغم ما يقال عن بعض الفساد الذى يشوبها، ظلت محتفظة بنقائها المؤسسى ووطنيتها، وهى من أكفأ مؤسسات الدولة من حيث التنظيم، ولديها جهاز مخابراتى قوى يعلم كل صغيرة وكبيرة عن شئون البلاد الداخلية منها قبل الخارجية، وأضف إلى هذا قدرة تلك المؤسسة على إتخاذ القرار السليم بعد دراسة المواقف دراسة إستراتيجية سليمة، أى أنها ليست من المؤسسات المتسرعة أو الهوجاء فى إتخاذ القرار، كما أن لها القدرة الكاملة على تنفيذ القرار الذى تتخذه بعكس مؤسسة أخرى مثل المؤسسة الأمنية التى قد تتخذ قرارات يحتاج تنفيذها إلى ما يفوق إمكانيات تلك المؤسسة.
رابعا: أن المؤسسة الأمنية المصرية بالرغم مما لها من يد عليا على إدراة شئون البلاد، إلا أنها ليست المؤسسة المستقرة ذات الإمكانيات الهائلة التى تمكنها من معالجة عظيم الأمور، كما أنها فى النهاية تتصف الغوغائية وسوء تقدير المواقف، وعدم الشفافية بين القيادات بما يسمح بتضارب القرارات والتنفيذ.
خامسا: الحالة الشعبية كانت قد أوشكت على الإنفجار الفعلى بعد حالة طويلة من الغليان، ولكن حالة الغليان تلك - رغم طول مدتها - إلا أنها لم تكن كافية للإنتفاض، حيث كانت مجاميع الشعب تفتقر إلى الوسيلة المثلى لتجميع بعضها البعض والتنسيق للخروج الحاشد الموحد، وذلك بسبب القبضة الأمنية، وعدم وجود وسائل الإتصال والنشر المتاحة للجميع، والتى وجدت فيما بعد فى صورة الشبكة الدولية للمعلومات، والمواقع الإجتماعية مثل الفيس بوك وخلافه.
سادسا: أن الدعوة للثورة لم تكن سرا، ولا مفاجأة، فقد كانت علانية على الشبكة الدولية، وأخذت فترة طويلة نسبيا من الإعداد، فضلا عن وجود مؤشر سابق وهو الثورة التونسية، وبالتالى فعنصر المفاجأة لم يكن موجودا البتة فى الثورة المصرية.

وبعد تلك الحقائق الستة، نجد أن الجهاز الأمنى بالدولة كان على علم مسبق بقيام الثورة بل وعلى علم بتحركات الثوار وترتيباتهم، ولكن وكما أشرنا إلى أوجه القصور فى هذا الجهاز، فقد تعامل مع الحدث ( بالعنجهية ) المعروفه عنه فأبى بإستعلاء أن يعترف بأن المواطن العادى ( الذى يعتبره رجل الأمن عبدا له ) يمكنه أن يحدث أى تغيير، وأن عدد من الهراوات والطلقات - بالإستعانة بفزاعة أمن الدولة - كفيلة بإجهاض هزل الأطفال هذا،،، وبالتالى كانت خيبة الجهاز الأمنى ثقيلة فى مواجهة الحدث.
ولكن ماذا عن مؤسسة الجيش؟؟؟ تلك المؤسسة بما لها من إمكانيات ومنهجيات فى التحليل الإستراتيجى والمعلوماتى، لابد وأنها كانت تمتلك تصورا كاملا عن الأحداث قبل بدايتها بزمن طويل،، ولابد من وجود عدة سيناريوهات لدى تلك المؤسسة عما سيؤول إليه الأمر،،وبالتالى فإن الموقف المحايد لها فى بداية الثورة لم يكن وليد اللحظة بل كان تنفيذا لخطة تم وضعها مسبقا، وهذا التنفيذ كان على جانب كبير من الأهمية فى تحقيق الثورة الشعبية لهدفها الأول، ( والذى قد يكون هدف الجيش أيضا وفقا لهذا التصور )، وهو إسقاط الرئيس والقبض على الحاشية.
وقد يكون فى هذا تفسيرا لما حدث بعد ذلك من عدم تجاوز الأهداف المحققة لذلك السقف، فهدف الثورة كان هدم النظام بالكامل وإحلاله بنظام جديد، فى حين أن هدف الجيش كان الإطاحة بالنظام وحاشيته ( كأشخاص )، مع عدم وجود رغبة فى الإحلال بنظام جديد كفكر وأسلوب، ومن هنا توافق الشعب والجيش على الجزئية الأولى فنجحت، وإختلفوا على ما يلى ذلك فلم يرى النجاح حتى الآن ويعلم الله إن كان سيراه أم لا.
إذن فما حدث فى مصر، هل كان إنقلابا ( شعبيا ) هو فى أساسه عسكرى ولكن إستخدم فيه الجيش أسلحة أخرى غير العسكرية التقليدية وهى الشعب وإرادته؟ أم كان ثورة ( عسكرية ) هى فى الأصل شعبية، ونجحت بفعل تبنى الجيش لها وعدم قيامة بالتصدى لها لإجهاضها؟؟

هناك 3 تعليقات:

  1. و الله اتلخبطت
    بس هو كان انقلاب شعبي ووطده التدخل العسكري
    و الا كنا تحولنا لسوريا اخرى او يمن آخر

    ردحذف
  2. الكلام كويس ومنطقي لكن لو كان الجيش يريد تغير اشخاص وزالة نظام فقط دون تغيير جزئي وكلي للفساد ورموزة كما ارادت الثورة لنصب واحدأ منهم رئيسأ ولقبض علي الأمور بكل قوة وادار البلد كيفما يشاء ولكنهم مصروون علي العودة الي سكناتهم بمجرد حلول شهر سبتمبر رغم محاولة كثير من القوي السياسيه اثنائهم عن هذا القرار هذا علي حد علمي والله الموفق

    ردحذف
  3. تمام، ولم أقل أن الجيش رغب فى تولية أحد رجاله السلطة، فهذا يعكس إنقلابا عسكريا صريحا وهو الغير مقبول دوليا، ولكن رغبة الجيش فى العودة السريعة لا تدل على عكس تصورنا، وهى تحتمل أمرين، فإما أن يكون هدف الجيش مجرد إزالة النظام وليحكم من يحكم بعد ذلك، وفى هذه الحالة سيطالب الجيش بالإستقلال كمؤسسة مستقلة فى الدولة على غرار الجيش التركى، أو يكون هناك فى الأدراج مفاجآت لم تتضح بعد فيما يخص تولية شخصية عسكرية، وطبعا كل وضع وله ترتيباته

    ردحذف